جهة التفاؤل الخامسة د. ذيب داود جهة التفاؤل الخامسة د. ذيب داود

جهة التفاؤل الخامسة د. ذيب داود

ثمة احلام تراودنا، في الحب، في النجاح وفي السعادة. فمنها ما قيد الامساك به، ومنها ما يبقى اضغاث أحلام. فأين نحن في سُكري الشباب من الحلم؟  هَل بِمقدورنا أن نعيد عقارب الساعة الى الوراء؟ لا. لا يمكن، على الأقل حاليّاً. بقي إذاً أن نهتم بدفع عجلة الحياة قدماً!

طَلبتْ نُسيمة أن اكتب للعدد وشيك الصدور لمجلة الشجعان، وباستحياء، ان اكتب عن "شغلات متفائلة". وسألت نفسي أهي للسكّريين ام لذويهم؟! لأحبائهم وللغالين على قلوبهم؟! ... سترون بالإضافة لجميعهم "مَنْ أيضاً".

جلست وكتبت، لكنها تعدّت الأربع صفحات نَصّ رَصّ، ففهمت ان أحداً لن يقرأها. وعَدَلْتُ عنها لما هو في حجم "صفحة"، ثم جعلتُ "الشغلات" تصبح "جِهات".

جِهة 1: لن ادخل دهاليز المختبرات التي تنكبُّ على ترياق الشفاء من السُّكري. لكن تأكدوا أن العلم لا يفتأ يفتش عن حلول، نستفيق عليها وإذ بنا نتعافى نهائياً من السُّكري. تتراوح هذه الحلول بين وقْفُ تدهور خلايا انتاج الإنسُلين-”بيتا"، وإبكار توقيت التدخّل للإبقاء على ألأكثر من الخلايا حية معافاة، وبين التفتيش عن الحدث الأصلي الذي يُفعّل هدم خلايا بيتا، لفهم طبيعته وما الذي يوعز له البدء ومنعه عن ذلك.

جِهة 2: هل يمكن تناول الإنسُلين دون زرقِهِ بوخزة إبرة المحقن أو المضخة؟ نعم، مُتردّدة! فلأنه زلال تُحلّله عصارات الهضم لا يمكن تناوله بالفم وأن يعبر العصارات بسلام. هناك محاولات مُستحدثة، لتغليفه بمواد تصمد في العصارات، وبقيَ على أصحاب هذه التجارب التغلّب على حواجز استيعاب الإنسُلين عبر المعي، وان يصيب هذا الاستيعاب أقل ما أمكن من تقلّبات في استيعابه الى دورة الدم. ذلك، من أجل أن نضمن ثبات أثر كل جرعة من جرعاته، وأن نتفادى خربطة حساباتنا حينما نُقابل كمية المأكول لجرعة الإنسُلين المناسبة لها. ولا ننسى استنشاق مسحوق الإنسُلين والذي قفز به درجةً، فهو الاسرع في الوصول الى قمة مستواه بالدم (12 دقيقة)، وانقشاعه بمرور ثلاث ساعات! ومع ان جمهرة المتعالجين الملائمين له محدودة تبعاً لمعطيات خاصة، فأنه يبدو واعداً أكثر من نَشْقِ رذاذه الرطب الى الرئتين (سبب أضراراً).

جِهة 3: هل من إنسُلين يحِسُّ مستوى سكر الدم، وبناء على الإحساس يندفعُ بكمية مُلائمة لكي يعطي تأثيراً على "مقاس" مستوى السكر في كل لحظة؟ الإجابة هي نعم، ولكن! لكنّنا نحتاج الانتظار ريثما يتم دَوْزَنة هذا الأمر. لقد تم انتاج هكذا إنسُلين ليفتح عالم "الإنسُلينات الذكية" على غرار الهواتف الذكية. إذ تم استغلال ظاهرة معروفة لسكر الچلوكوز في الدم، أنه يُنافس سكر خماسي "پنتوز" على الدخول الى جحور له في جدران اوعية الدم، ليمكث فترة ثم يخرج منها ويعاود ذلك على الدوام. إذا ارتفع الچلوكوز فأنه يطرد الپنتوز خارج تلك الجحور. وحينما يهبط الچلوكوز يرتفع مستوى الپنتوز نِسبيّاً فيطرده بدوره خارج الجحر ويمكث فيه.

نجح العلم في ربط جزيء پنتوز بجزيء إنسُلين. فصار يختبئ واياه في الجحر، الى حين يرتفع الچلوكوز فيطردهما سوية الى تيار الدم. هناك يستطيع الإنسُلين (المربوط من ذنبه الى الپنتوز)، أن "يُدخل" رأسه الفاعل في مواضع عمله ويتمم تأثيره لخفض سكر الدم.

جِهة 4: لفحص السكر نحتاج لوخز طرف الأصبع. حلم يراودنا ان نفحصه مع الإبقاء على سلامة أطراف اصابعنا من وخز مُؤلم. العمل جارٍ على الفحص بطرق تتفادى الوخز، منها من ينظر الى العين، ومنها من يبصبص على لون الدم الأحمر، وما تأثير مستوى السكر على انعكاس الضوء عنهما. وهناك من يُبقي مجسّاً مغروساً تحت الجلد بوخزة واحدة لفترة تُطاول الأسبوعين. حديثاً، نحثّ السائل بين الخلايا الخروج كعصارة من تحت الجلد الى سطحه بفضل رعشات كهربائية، ونقيس بالسائل مستوى سكرٍ يقاربُ مستواه في الدم. آخر صيحاتها "لزقة" متناهية في الصغر، تلصق الى الجلد مرة كل يوم، يعمل مخترعوها على دَوْزَنة معيارها.

جِهة 5: وهنا نهاية المقالة. هي "الشغلة" التي تقف الى جانب المصابين بسكّر الشباب، فتشد أزرهم، وترفع ثقتهم بنفسهم، وترد عنهم ضيم المعتقدات البائسة التي ما زالت سائدة، مُعتقدات تدفع الاهل الى التنكر لابنهم او ابنتهم، وتفتّ في عضدهم جميعاً، وبدل التقوية تبث سموماً قاتلة للفرد وللمجتمع على السواء.

إنها مُقاربة حيوية وكما يقتضيه قانون البشر في حفظ إنسانية بعضنا والتعاضد والتكافل. إنها الرد المجتمعي القوي الحصين الذي يحفظ اعتزازنا. إنها جمعية مبنية على اصول بشريتنا في قبول التحدي الحضاري، إنها جمعية الشجعان. نعم إنها خالص "التفاؤل". ولو لم تنشأ لكان لزاماً إنشاء مثيلتها، بل مثيلاتها حيثما ينتابنا حدث في صحة أبداننا لا عقولنا.

أعضاءها قُدوة ليس للسكّريين فحسب، بل للكثير من "الأصحاء" الذين لم يذوقوا للتحدّي طعماً. السكّريين الشباب هم مفخرةٌ لنا، لا مدعاة شفقةٍ ونفور. إنّهم و"بكفالة"، ناتج التحدي والصمود وقطع العهود على المُضي قُدماً.

ومنْ عنده غير ذلك فليتفضل ويُثبت لنا.


          د.ذيب داود 

         مدير بالوكالة

            قسم الغدد الصُم والسكر

              رمبم. الحرم الطبي لصحة الإنسان - حيفا